باستخدام مرصد “شاندرا” للأشعة السينية التابع لناسا، اكتشف علماء الفلك أن بين جسيمات قادمة من الثقب الأسود أدلة على وجود انبعاثات نفاثة طويلة للغاية.
إذا تم إثبات صحة هذه الأدلة، فقد تساعد هذه الانبعاثات في تفسير كيفية تشكل أكبر الثقوب السوداء في وقت مبكر جداً من تاريخ الكون.
من أين تأتي الانبعاثات النفاثة؟
إن مصدر الانبعاثات هو “الكوازار“، وهو ثقب أسود فائق وسريع النمو يدعى PJ352-15، والذي يقع في مركز مجرة صغيرة. إنه أحد أقوى اثنين من الثقوب التي تم اكتشافها في موجات الراديو في أول مليار سنة بعد الانفجار العظيم. وهو أكبر بمليار مرة من كتلة الشمس. فكيف استطاعت هذه الثقوب السوداء أن تنمو بسرعة لتصل إلى مثل هذه الكتلة الهائلة في هذه الحقبة المبكرة من الكون؟ إنه في الواقع أحد الأسئلة الرئيسية في علم الفلك اليوم.
نمو الثقب الأسود
على الرغم من جاذبيتها القوية وسمعتها المخيفة، لا تسحب الثقوب السوداء كل ما يقترب منها. يجب أن تفقد المواد التي تدور حول ثقب أسود في قرص سرعتها وطاقتها قبل أن تسقط أكثر نحو الداخل لتقطع ما يسمى “أفق الحدث”، حيث نقطة اللاعودة. يمكن أن تسبب الحقول المغناطيسية تأثيراً كابحاً على القرص، وهي إحدى الطرق الرئيسية لمواد القرص لتفقد الطاقة. بالتالي، يعزز ذلك معدل نمو الثقوب السوداء.
قال “توماس كونور” من مختبر الدفع النفاث (JPL) التابع لوكالة ناسا في مدينة باسادينا في كاليفورنيا: ” إذا كان الملعب يتحرك بسرعة كبيرة، فمن الصعب على الطفل التحرك نحو المركز. لذلك، يحتاج شخص ما أو شيء ما إلى إبطاء الحركة. فيما يتعلق بالثقوب السوداء الهائلة، نعتقد أن الانبعاثات النفاثة يمكن أن تبعد الهواء بحيث يمكن أن تسقط المواد إلى الداخل. ويمكن لذلك أن يسبب نمو الثقب الأسود”.
كيف تم الكشف عن انبعاثات الثقب الأسود؟
احتاج علماء الفلك إلى مراقبة PJ352-15 لمدة ثلاثة أيام باستخدام الرؤية الحادة لمرصد “شاندرا”، لاكتشاف الأدلة على نفاثة الأشعة السينية. تم الكشف عن انبعاثات الأشعة السينية على بعد حوالي 160.000 سنة ضوئية من الكوازار على طول نفس الاتجاه مثل النفاثات الأقصر التي شوهدت سابقاً في موجات الراديو بواسطة مصفوفة خط الأساس الطويل جداً. بالمقارنة، فإن مجرة “درب التبانة” بأكملها تمتد على حوالي 100.000 سنة ضوئية.
يكسر ثقب PJ352-15 بضع سجلات فلكية مختلفة. أولاً، بلغ طول الانبعاثات النفاثة التي تمت ملاحظتها من المليار سنة الأولى بعد الانفجار الأعظم حوالي 5000 سنة ضوئية فقط. وهو ما يتوافق مع الملاحظات الراديوية للثقب PJ352-15. ثانياً، يبعد PJ352-15 مسافة 300 مليون سنة ضوئية عن أبعد مسافة تم تسجيلها من قبل سجلات نفاثة الأشعة السينية.
قال المؤلف المشارك “إدوارد بانيادوس” من معهد “ماكس بلانك” لعلم الفلك (MPIA) في هايدلبرغ بألمانيا: “إن طول الانبعاثات النفاثة مهم، لأنه يعني أن الثقب الأسود الهائل الذي يعمل على إطلاقها كان ينمو لفترة طويلة من الزمن. تؤكد هذه النتيجة كيف أن دراسات الأشعة السينية للثقوب السوداء البعيدة توفر طريقة أساسية لدراسة نمو الثقوب الهائلة الأكثر بعداً”.
انبعث الضوء المكتشف من التدفق عندما كان عمر الكون 0.98 مليار سنة فقط، أي أقل من عُشر عمره الحالي. في هذه المرحلة، كانت شدة إشعاع الموجات الدقيقة الكونية الناتجة عن الانفجار الأعظم أكبر بكثير مما هي عليه اليوم.
كيف تتشكل الإشعاعات الكونية؟
عندما تطير الإلكترونات الموجودة في الانبعاثات النفاثة بعيداً عن الثقب الأسود بسرعة قريبة من سرعة الضوء، فإنها تتحرك وتصطدم بالفوتونات مشكلةً الإشعاعات الكونية الراديوية. يعزز ذلك طاقة الفوتونات في نطاق الأشعة السينية ليتم اكتشافها من قبل مرصد “شاندرا”. في هذا السيناريو، يتم تعزيز سطوع الأشعة السينية بشكل كبير مقارنة بموجات الراديو. يتفق هذا مع ملاحظة أن خاصية ضخ الأشعة السينية الكبيرة ليس لها أي انبعاثات راديوية مرتبطة بها.
قال المؤلف المشارك “دانييل ستيرن” من مختبر الدفع النفاث JPL: “وجدنا خلال أبحاثنا أن أرصاد الأشعة السينية يمكن أن تكون واحدة من أفضل الطرق لدراسة الثقوب السوداء ذات الانبعاثات النفاثة في الكون المبكر.
بعبارة أخرى، قد تكون أرصاد الأشعة السينية في المستقبل هي المفتاح لكشف أسرار ماضينا الكوني”.
اقرأ أيضاً: كوكب المريخ: أين اختفت المياه التي كانت موجودة على سطحه؟ وما السبب في فقدانها ؟